استحقت ندى كوسا الشابة البالغة من العمر 26 عاماً لقب ملكة جمال لبنان لعام 2024، بعدما لفتت أنظار أعضاء لجنة التحكيم والجمهور بجمالها وأنوثتها.
ولدت كوسا عام 1998 في بلدة رحبة الواقعة في قضاء عكار بشمال لبنان لذلك مطلوب منها إلقاء الضوء على هذه المنطقة الرائعة الغنية بثروتها الحرجية والمائية، والتي هي متروكة من الدولة، وأهالي المنطقة يعانون من فقر وحرمان كبير والمطلوب من ملكة الجمال ندى كوسا أن لا تقدم الأعمال الخيرية الـ"كليشيه" لأن كثر من ملكات الجمال اهتمين بذوي الاحتياجات الخاصة وقضايا المرأة وقضايا الطفل، فأمنياتنا أن تهتم ملكة الجمال بهذه المنطقة من لبنان فليست وحدها بلدة رحبة التي تعاني من هذه الحاجات لا بل كل قضاء عكار الذي يمتد على 776 كيلومتر مربع.
والملفت أن هذه المنطقة أعطت شهداء وغذت كل أرض لبنان بدماء شهدائنا أبناء الجيش اللبناني فهي فخر لكل لبناني يريد أن يعيش بكرامة.
وفي هذا التحقيق ينلقي الضوء على حاجات عكار وعلى أفكار ممكن تبنّيها لتحسين المنطقة:
الإغتراب
تاريخياً عانت عكار من التهميش والإهمال من قبل الدولة وقاد ذلك إلى معاناتها من الفقر ومن النقص في البنية التحتية والخدمات الأساسية. وبسبب الوضع الاقتصادي السيء في عكار وقلة فرص العمل، من الطبيعي أن يكون عدد المغتربين في عكار كبيراً. فالإغتراب في عكار قسمان: إغتراب قديم، يشمل الشبان والعائلات المهاجرين إلى بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية. وإغتراب حديث، يشمل الشبان والعائلات المهاجرين إلى دول الخليج. وقد بات من الضروري الحد من هجرة الشباب العكاري لاسيما لما لذلك من تأثير في حرمان المحافظة من نخبها المتعلمة والمثقفة وكوادرها الشابة التي تتم الاستفادة من طاقاتها في الخارج. وهذا يحتاج إلى خطط قريبة وبعيدة المدى يضعها ويقررها المسؤولون لمعالجة هذه المعضلة.
الهجرة من عكار
وإذا كان الهدف من الهجرة في عكار تطوير وتحسين ظروف حياة العكاريين، فإن النتائج السلبية للإغتراب باتت أكثر وضوحاً من إنعكاساته الإيجابية على أبناء المنطقة، بدءاً من هجرة المتعلمين واليد العاملة، وصولاً إلى التحولات الديموغرافية داخل القرى، وشلل القطاعات الانتاجية الأساسية لا سيما القطاع الزراعي.
إذن يبدو مؤكداً أن أسباب الهجرة كانت ولا تزال تعود الى عوامل إقتصادية واجتماعية ونفسية، يأتي الفقر في طليعتها.
افتقاد السياحة
إذا كانت معظم المناطق في لبنان تتسابق إلى إحياء المهرجانات السياحية والحفلات الفنية واستقطاب الفنانين والفرق الفنية والموسيقية إليها في موسم الصيف، بهدف إنعاش حركتها وتحريك اقتصادها، فإن منطقة عكار تقف موقف المتفرج والعاجز عن تحريك بلداتها وضيعها وكافة القطاعات المتصلة بالسياحة فيها وبالتالي الإفادة منها، لا سيما الأسواق والمطاعم والمقاهي والفنادق إلا في حالات استثنائية. فلا مهرجانات فيها الا ما ندر وبمبادرات فردية لا تستقطب زواراً من خارج المنطقة بالقدر الذي تستحقه مواقعها الاثرية والتراثية والطبيعية، وهذا ما تحتاجه عكار لتنشيط دورة الحياة الاقتصادية فيها عبر بوابتها السياحية. اذ ان المؤسسات الرسمية المعنية تبدو غير معنية بما لعكار من موقع ودور ومميزات يمكن الافادة منها وتوظيفها في تنشيط الحركة السياحية بما يعني ايضاً تنشيطاً لمجمل اقتصاد حياة الناس.
حتى المؤسسات السياحية الخاصة لا تعير عكار الاهتمام المفترض على الرغم من انها قادرة على التسويق لبعض المواقع الاثرية والتراثية فيها وإدراجها على لائحتها السياحية ولفت انظار السياح إلى هذه المنطقة الغنية ببلداتها الجميلة: عرقة، اكروم، عكار العتيقة، القموعة، القبيات، منجز، وادي خالد، القليعات وغيرها الكثير.
أنواع السياحة
على المقلب الآخر، في عكار، ثمة مواقع طبيعية مميزة كالقموعة، وادي جهنم، كرم شباط، شلالات عكار العتيقة وبقرزلا ومشمش. وثمة حاجة كبيرة إلى استثمار المياه الساخنة "الكبريتية" في السماقية وانشاء منتجع صحي علاجي إذا توافرت الإمكانات اللازمة لذلك. من جهة أخرى، بإمكان اي سائح في عكار التمتع بممارسة أنواع شتى من السياحة: البيئية كالمشي على الدروب الجبلية القديمة، ركوب الدراجات الهوائية، والتزلج شتاء. والسياحة الدينية حيث هناك العديد من المعابد والكنائس والمساجد القديمة الأثرية.
وتحفل عكار بعشرات المواقع الأثرية القديمة والبيوت التراثية في بينو، عيون الغزلان، البرج وبرقايل. رغم كل هذه المقومات التي تملكها عكار سياحياً، لا زالت غائبة عن دائرة الاهتمام الرسمي.
حاجات عكار
تحتاج عكار للعديد من المشاريع الإنمائية رغم أن ثرواتها الطبيعية عديدة ومتنوعة ويفترض وضع الخطط لكيفية الاستفادة منها. فثروتها المائية تهدر على مدار العام دون الاستفادة منها، وثروتها الزراعية تتعرض منتجاتها أحياناً للكساد وعدم التصريف رغم أن سهل عكار في حد ذاته هو مصدر الثروة الزراعية. والجدير ذكره أن السهل الساحلي الغربي للمحافظة يشكل ثاني أكبر منطقة زراعية في لبنان بعد سهل البقاع، بينما يتميز الشرق بجبال تعتبر محمية طبيعية وطنية .من هنا من المفترض وضع هذه المقومات على رأس الاهتمامات الرسمية ووضع آليات لحماية هذه المصادر الحياتية الضرورية لإنعاش منطقة عكار وأهلها.
لا يمكن إنكار أن وزارة الطاقة والمياه خصصت في ميزانيتها لعام 2024 مبلغ 45 مليون دولار لتحسين الأوضاع في المنطقة والحؤول دون وقوع كارثة طبيعية كما حصل في العام الماضي.
بلدة رحبة
رحبة التي تحوي امكانات سياحية كبيرة وتعد مركز جذب للسياح، لما فيها من جمال طبيعي، تعاني من هجرة معظم شبابها. رحبة الواقعة ضمن قطاع منطقة الجومة-السهل-الشفت العكارية، فاقت نسبة الإغتراب فيها الـ20 في المئة. صحيح أن الأموال الإغترابية ساهمت في إحداث نهضة اقتصادية في البلدة، إلا أن عدم عودة المغتربين فيها إلى بلدتهم بشكل نهائي يفقد رحبة قسماً كبيراً من حملة الشهادات من جهة ومن اليد العاملة من جهة أخرى. وإذا كانت الحركة تنشط وتزدهر في البلدة صيفاً، بفضل عودة العديد من العائلات والشبان إليها لتمضية إجازاتهم. إلا أن القسم الأكبر منهم يعودون أدراجهم إلى الإغتراب ما أن تنتهي إجازاتهم. ومعظم هؤلاء يهاجرون إلى دولة سيراليون الأفريقية. ولا تقتصر الهجرة في عكار على منطقة رحبة بطبيعة الحال، ففي بلدات عكارية أخرى الكثير من المغتربين أيضاً، ومنها بلدتا عين يعقوب والقبيات.